بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 31 يناير 2019

بردية ايبرز، أولى مراجع الطب الباطني


 اذا كانت بردية ادوين سميث تعتبر أقدم أثر طبي جراحي على الإطلاق ، فان بردية ايبرز تحوز على نفس الشرف في مجال " الأمراض الباطنية "، و ذلك لأنها تعود إلى سنة 1550 ق. م . وتسمى البردية نسبة إلى جورج ايبرز (Georg Ebers ) أستاذ علم المصريات السابق بجامعة لايبزيج ( Leipzig ) في ألمانيا. وكان هذا الأستاذ قد اشترى المخطوطة سنة 1872، خلال زيارته لمصر، لتصل عن طريقه الى مكانها الحالي في مكتبة جامعة لايبزيج. ويعتقد بان مكان اكتشاف المدونة كان بالقرب من الأقصر، أما شهرتها الواسعة فترجع لكونها أول بردية طبية ترجمت و نشرت باللغات الغربية، التي كان أولها الألمانية سنة 1874 م.

و تبدأ هذه البردية المكونة من 110 لفافة ، بمقدمة في السحر والرقى والتعاويذ ، ثم لا تلبث أن تأتي على ذكر الوصفات الطبية والعقاقير. و تسجل المخطوطة حوالي 811 وصفة طبية وحوالي 700 دواء، تركب اغلبها من مواد نباتية وحيوانية. ولقد أتت المدونة، على ذكر 29 مرضا من أمراض العين من بينها الرمد الحبيبي، و 15 مرضا من أمراض البطن . كما ورد بالبردية أعراضا تشير الى العديد من أمراض الرئة والجلد، و بعض أمراض الأذن والأنف والأسنان وأمراض المفاصل. أما مرض الصداع النصفي فقد خصص له فصل كامل يتناول العلاجات التي تنفع في علاجه حسب رأي أطباء ذلك الزمان .

ويذكر الباحثون، أن بعض الأعراض التي ترد بين سطور هذه البردية، تشير الى سرطان الرحم، كما تشير أخرى إلى أول وصف لمرض السكري. وتتشابه بعض الأعراض المذكورة في البردية، مع تلك التي يتميز بها مرض البلهارسيا كما نعرفه الان، وهو المرض الذي لا يزل يستوطن ضفاف النيل حتى يومنا هذا.

___________________________________________________ 
 Copyright© 2014 by Ahmed Abdulsalam Ben Taher 
 حقوق النشر محفوظة © 2014 للمؤلف أحمد عبد السلام بن طاهر

مغبونات ... لكن بحاجة للتصحيح!


   جاء في مقال " د. عبد الرحمن النمر" في المنشور في مجلة العربي في عدد مايو ( 594 ) لسنة 2008 تحت عنوان " مغبونات بعقول لامعة " مجموعة من الأخطاء التي تحتاج لبعض التصحيح والتوضيح. ففي فقرة " عالمات مغبونات" ( ص 176) كتب المؤلف : " وفي عام 1934 ، تكلمت الكيميائية الالمانية " ادا نوداك " عن امكانية " شطر " الذرات الى وحدات أصغر. وهي الفكرة التي تضمنتها نظرية الانشطار النووي " التي وضعها الكيميائي الالماني " اوتو هان " ، ... ، و الغريب كذلك ان " هان " منح جائزة نوبل ، ... ، عن نظريته حول الانشطار النووي ، دون أن يرد ذكر لـ " المظلومة نوداك.

        والحقيقة ان العالم الالماني " اوتو هان " منح جائزة نوبل لسنة 1944 ، ليس عن نظرية الانشطار النووي ، بل " لاكتشافه عملية انشطار الذرات الثقيلة " كما جاء في حيثيات الجائزة. و هذا لأنه اول من اكتشف في المختبر سنة 1938 ، أن قذف اليورانيوم بالنيوترونات يؤدي الي ظهور عنصر الباريوم ، وهو اقل في الوزن الذري من اليورانيوم ( مما يعني ان الذرة انشطرت ) . اوتو هان قام بالاكتشاف لكنه لم يفطن الي دلالة هذا علي حدوث " انشطار نووي " . وهنا جاء دور مساعدته السابقة النمساوية " ليز مايتنر " لكي تعطي التفسير الصحيح.

        أما الكيميائية ايدا نوداك (Ida Noddack ) وليس " ادا " - كما جاء في المقال - فلم تلعب أي دور في هذا كله ، وعلاقتها الوحيدة بالموضوع بعيدة . وخلاصة الأمر أن العالم انريكو فيرمي نشر سنة 1934 مقالا ، توقع فيه ان يؤدي قذف اليورانيوم بالبروتونات الى ظهور عناصر أكبر في الوزن الذري من اليورانيوم ( وهي التجربة التي قام بها " هان " فيما بعد ). وفي نفس السنة نشرت " ايدا نوداك " مقالا قدمت فيه افتراضا اضافيا حول تجربة " فيرمي " ، وهو أن هناك احتمالا بان لاينتج عن القذف عناصر أكبر في الوزن الذري من اليورانيوم ، ولكن أن تتحلل ذرة اليورانيوم الى نظائر للعناصر المعروفة. وكما يتبين فان " ايدا " لم تضع نظرية في الانشطار النووي ، و لا هي قامت بتجربة تثبت حدوث الانشطار النووي. ويبدو انها هي نفسها لم تكن تقتنع بجدوي افتراضها الاخير ، لانها لم تتابع الموضوع بعد ذلك لا بشكل نظري ولا عملي.

         كما أتي المقال علي ذكر : " ... وقد منح الامريكي " جيمس واتسون" جائزة نوبل في الكيمياء في عام 1962 ، لاكتشافه التركيب الكيميائي للحامض النووي، ... ، وله شكل مميز اطلق عليه " واتسون" اسم الحلزون المزدوج. و الحقيقة أن عالمة البلوريات " روزاليند فرانكلين - والتي عملت كمساعدة لـ " جيمس واتسون" ، ... ، هي أول من ادخل تعبير " الحلزون المزدوج ، ... ،".  وتقود الفقرة السابقة الي الاعتقاد بان " واتسون اكتشف الحمض النووي – وحصل علي الجائزة - وحده ، والصحيح انه قام بهذا الاكتشاف - وحاز الجائزة - مع رفيقه العالم " فرنسيس كريك ". هذا بالاضافة الي أن " روزاليند " لم تعمل مساعدة لواتسون و لا كريك – كما جاء في المقال - في أي يوم من ايام حياتها ، حيث كانت تعمل في الكلية الملكية في لندن ، بينما عمل واتسون وكريك في كامبريدج.

        أما بالنسبة لتركيب الحمض النووي على هيئة " حلزون مزدوج" فقد ابتدعه " كريك " و " واتسون " ، ولم تأتي به " روزاليند" . صحيح أنها ومساعدها قد لاحظا أن الفحص بالاشعة السينية للحمض النووي الجاف يعطي ظلا "حلزونيا " والحمض المبلل ظلا مستقيما. الا انهما لم يقتنعا بان يكون للحمض النووي شكل الحلزون وتوقعا أن الشكل المستقيم هو الأقرب الي الواقع . ولكن عندما افترض واتسون وكريك في عمل من أعمال الفكر الخالصة ، أن تركيب الحمض النووي يجب أن يكون على هيئة " حلزون مزدوج " – وليس حلزونا فحسب - أصبح الباب مشرعا لاكتشاف تركيب الحمض النووي، وأصبح بمقدورهما ، في ليلة من ليالي سنة 1953 ، أن يصيحا مغتبطين :" لقد اكتشفنا سر الحياة".

___________________________________________________ 
 Copyright© 2014 by Ahmed Abdulsalam Ben Taher 
 حقوق النشر محفوظة © 2014 للمؤلف أحمد عبد السلام بن طاهر

بردية ادوين سميث، أقدم مراجع طب الجراحة


         يبدو أن مؤلف هذه البردية * كان شخصا غير عاديا البتة، لانه ترك لنا أول بردية طبية تخلو بشكل شبه كامل من السحر والخرافات، عرض في ثناياها ما يعرفه، بطريقة تدل على تعود استخدام الوسائل المنهجية في التشخيص والعلاج. ويتجلى هذا بوضوح، في توالي عرض الحالات التي تضمها البردية ، تبعا لترتيب تشريحي يبدأ باصابات الجمجمة وينتهي بكسور الحوض والفخذين. ومن المدهش التزام المؤلف في كل ذلك، بعرض كل حالة وفقا لمنهج متكرر واحد: أولا التركيز على شكوي المريض،  ومن ثم الالتفات الى فحص العضو المصاب و وصف العلاج الملائم ، وهو المنهج النادر مقابلته في الكتابات الطبية القديمة. وتعالج هذه البردية بشكل خاص، الحالات المتعلقة بالأمراض الظاهرة، كالتشوهات والأورام الظاهرة والجروح وغيرها، وهي التي يختص بها مجال الجراحة في وقتنا الحالي. وتأتى هذه البردية على كتابة كلمتي " دماغ " و " عمود فقري " و وصف الانسجة المحيطة بالدماغ لاول مرة في التاريخ الطبي. كما انها أول وثيقة طبية تورخ لحالة فقدان الصوت بعد اصابة الراس.

وتعود نسخة البردية التي بين يدينا الى حوالي سنة 1700 ق.م. وقد شاءت الاقدار ان تظل محفوظة بحالة جيدة حتى اكتشفت ‘ و بيعت للامريكي ادوين سميث سنة 1862 ، الذي احتفظ بها لنفسه حتى وفاته. وفي سنة 1906 م قامت ابنة " سميث " بإهداء المدونة الى الجمعية التاريخية بنيويورك. وفي سنة 1930 انجز " بريستد " أول ترجمة انجليزية لهذا المرجع الطبي الثمين.

___________________________________________________
 Copyright© 2014 by Ahmed Abdulsalam Ben Taher
 حقوق النشر محفوظة © 2014 للمؤلف أحمد عبد السلام بن طاهر

الكاتالوج العالمي للمكتبات

الأربعاء، 30 يناير 2019

نحن واليابان ...


          قرأت بإعجاب مقال د. سليمان ابراهيم العسكري " نحن واليابان... نظرة عربية جديدة إلى الشرق " المنشور في عدد فبراير 2008 من مجلة العربي، وأتفق معه على فائدة التعاون مع هذا البلد العملاق في مجال التعليم .

مشكلة اللغة اليابانية:

         غير ان هذا التعاون يحتاج إلى تجاوز عقبة ضخمة اسمها اللغة اليابانية. فالتمكن من هذه اللغة بشكل كاف يحتاج الى الانتظام في الدراسة لسنوات عديدة ، ولا يكفي التزود باللغة الانجليزية وحدها. و تشكل صعوبة اللغة اليابانية مشكلة لأصحابها أنفسهم ، وتقف خلف ضعف صادراتهم الثقافية والعلمية على الرغم من وفرة الاسماء العظيمة عندهم في كل مجالات الثقافة والعلم. و لهذا فاليابان ، كما يقول المفكر " الفن توفلر " :" متخلفة عن الولايات المتحدة في أهم مجال من مجالات التنافس على السلطة والقوة ، أي مجال إنتاج ونشر الأفكار والمعلومات والصور الانطباعية ".

لزوم وجود خطة للتعاون مع اليابان:

         وتعاني بلاد الشمس المشرقة ، قلة الوافدين اليها للدراسة مقارنة بأعداد من يغادرونها للدراسة في الغرب. ولهذا فالاتجاه نحو اليابان يستلزم وجود خطة متكاملة، تعنى أولا بإدخال اللغة اليابانية إلى نظم التعليم العربية. وهذا سيؤدي إلى جعل الدراسة في اليابان منافسة للدراسة في الدول الناطقة بالإنجليزية أو الفرنسية . كما سيفيد في تعميق العلاقات الثنائية و يمد جسور فهم الآخر بين العرب واليابانيين على السواء . وسيسعد هذا اليابانيين بالتأكيد ، وسيؤكد على جدية العرب في الحصول على مساعداتهم الثقافية والعلمية . وليس سراً أن هناك جدلا كبيرا يدور بين الصفوة في اليابان بشأن الدور المفترض ان يلعبه بلدهم على المستوي العالمي . وتقترح ألكثير من الاصوات هناك، بان تركز اليابان على مد تأثيرها الثقافي والعلمي إلى الدول النامية أينما كانت، كما ذكر توفلر .

لزوم الانتقائية للاستفادة من العلم الياباني:

         وبالطبع ليس لنا هنا إلا أن نذكر بأن تكون الاستفادة من العلم الياباني إنتقائية، و ذلك بالتركيز على المجالات التي تتفوق فيها اليابان، كالموصلية الفائقة و الشرائح الالكترونية وتقنيات الاتمتة الآلية و الانسان الآلى .أما فيما عدا ذلك ، فيفتقر نظام التعليم الياباني بشكل لا مجال لإنكاره إلى الجودة العالية التي تتمتع بها السلع الاستهلاكية اليابانية. وفي الواقع فان هذه الاستراتيجية الانتقائية هي ذاتها التي استخدمتها اليابان لتتشرب العلوم والتقنيات التي تعوزها في فترة الاصلاحات الثورية للإمبراطور ميجي ( 1868 ) ، التي أثمرت الموقع الياباني الحالى على خارطة العالم والتاريخ. فقد أرسل الطلبة اليابانيون آنذاك إلى بلدان اوربية بعينها، ليدرسوا العلوم التي تتفوق فيها كل منها على غيرها . وهنا يمكننا ان نلخص ثنائية المعادلة التي مهدت طريق اليابان نحو المستقبل : الارادة السياسية الصادقة والتخطيط المتكامل للوصول إلى الهدف المحدد جيدا .

هناك تشابه بين العرب واليابانيين:

         أما ما يشدد عليه البعض ، بخصوص الدور المركزي للعامل البشري في تجربة اليابان، أي أهمية الخصائص الفريدة لهذا الشعب ، فاعتقد أنه اقل أهمية من أطراف معادلتنا السابقة. و حتى في هذا الجانب لدينا نحن العرب الكثير من الأوجه النفسية والفكرية المشتركة مع اليابانيين. فمن ناحية يتشابه تأثير إرثنا القبلي من نواحيه الاجتماعية والفكرية إلى حد بعيد مع الإرث الإقطاعي الذي يحتل مكانا حصينا في العقلية اليابانية حتى اليوم. و لا ننسي الموقع الباهر الذي تصدره الشعر في الثقافتين العربية واليابانية . و إذا لم يكن هذا كافياً ، فما بالك بالتعلق بالماضي والتقاليد الذي يتشارك فيه الاثنين. ورغم تشابه معاناة مفكري الشعبين من مرارة احداث التاريخ السابقة، التي تضل كابوساً عابثا بأرواحهم ، الا أن الامر لا يصل إلى ذروته الدرامية إلا عند اليابانيين. وهذا ما وصفه " غابرييل غارسيا ماركيز " ذات مرة في قوله "الحقيقة أني لم أكن أعرف شيئا يقينيا عن الروائيين اليابانيين ، سوی أنهم سينتهون جميعهم، عاجلا أو آجلا ، إلى الانتحار ".

___________________________________________________ 
 Copyright© 2014 by Ahmed Abdulsalam Ben Taher 
 حقوق النشر محفوظة © 2014 للمؤلف أحمد عبد السلام بن طاهر

نقص افراز الغذة الدرقية


          تدعى حالة نقص افراز الغدة الدرقية باسم قصور الدرقية  (Hypothyroidism ) ، وفيها تنخفض مستويات عمليات الاستقلاب التي تظهر على هيئة شعور بالبرودة ، وبطء ضربات القلب. ويعاني المرضي من الامساك وبطء الحركة و ردود الافعال، كما ينخفض فيها مستوى القدرات العقلية للمصاب من بين اعراض وشكاوي اخرى مختلفة . وتترافق هذه الحالة عادة مع غلاظة وتورم الجلد وهي الحالة التي تسمى الوذمة المخاطية (  myxedema) . وعند الاصابة بقصور الدرقية عند المواليد ، يؤدي عدم العلاج المبكر الي حالة من التخلف المسمى  الفدامة (cretinism ) والتي تعني نقص التطور بسبب درقي ( الغدة الدرقية ).

___________________________________________________ 
 Copyright© 2014 by Ahmed Abdulsalam Ben Taher 

متعة اكتشاف الأشياء

تقديم كتاب " متعة اكتشاف الأشياء "

        كيف يفكر عباقرة العلم ، وكيف نعين اطفالنا على تطوير مهارة التفكير المبدع؟ الاجابة على مثل هذا السؤال الذي قد يخطر على بال بعضنا ، هو ما نحصل عليه بشكل غير مباشرة من مطالعتنا لكتاب " متعة اكتشاف الاشياء" من تعريب ابتسام الخضراء ونشر مكتبة العبيكان ( 2005 ) . والكتاب عبارة عن تجميع لمجموعة من أعمال الفيزيائي الامريكي ريتشارد فاينمان ( Richard Feynman ) الحاصل على جائزة نوبل سنة 1965 عن دراساته في مجالفيزياء ميكانيا الكم ( Quantum ).

ويعتبر فاينمان الذي توفي سنة 1988 ، أيقونة شارحي العلم للعامة، حتى انه اصبح ظاهرة يطلق عليها البعض اسم " الهوس بفاينمان ". ويرجع هذا لقدرته على تبسيط اعقد الافكار بشكل فكاهي مميز ، لكي يسهل فهمها من قبل الجمهور العادي.

فصول الكتاب

               يقع الكتاب في 13 فصلا ، تحتوي على مجموعة من المحاضرات وبعض اللقاءات كما تضم التقرير الخاص بتحليله لاسباب تحطم مكوك الفضاء تشالنجر ( Challenger ) ، بصفته رئيس لجنة التحقيق التي شكلتها الحكومة الامريكية آنذاك، لدراسة اسباب الكارثة.

وتلقي فصول الكتاب الضوء على بعض أوجه الشخصية المعقدة لهذا الفيزيائي . و تنقلنا السطور إلى اجواء محاضرات ولقاءات فاينمان ، لنشاركه متعة اخذ الامور بفكاهة وقلب الافكار راسا على عقب ، كاننا امام عرض ، يلعب فيه دور العبقري والمهرج متنقلا من بين الدورين بسلالة لا تدرك إلا بعد حين. كما تكشف لنا المحاضرات عن اهتمام هذا الفيزيائي بالكثير من المجالات التي تتخطى الحدود المالوفة لتخصصه، حيث تاخذنا احداها إلى اليابان لنجده يقدم اقتراحات لحل بعض مشاكل الكومبيوترات الفائقة الاداء. كما ننتقل مع الكتاب إلي سنة 1959 ، لنشهد ولادة " تقنية ثورية جديدة " على يد فاينمان ، خلال محاضرته الشهيرة التي ناقش فيها فكرته عن امكانية التصغير البالغ للاشياء ، وهو الامر الذي يعرف الآن باسم " تقنية النانو " . وقد وصف فاينمان هذه التقنية بانها ممكنة ، و تعهد وقتها باعطاء جائزة لاول من يتمكن من تحقيقها عمليا.


و يتطرق الكتاب إلي احدى المحطات الرئيسية في حياة فاينمان ، ونقصد بهذا دوره في صنع القنبلة الذرية الاولى في لوس الاموس (Los Alamos ) المحاط بالسرية، لنتعرف على ذكريات فاينمان عن تلك الحقبة وملابساتها . و لا يفوت فاينمان ان يخبرنا في اكثر من موضع ، عن الدروس التي تعلمها من والده حول متعة اكتشاف الاشياء ، لنكتشف ان ما جعل من منه عالما غير عادي ، هو فضوله الطفولي ، و ادمانه التفكير في كيفية عمل الاشياء ، وهي السلوك الذي يكافئ أصحابه باللذة و بهجة الحصول على الكثير من الاسئلة والشكوك الجديدة.


أسلوب الكتاب

            وبعض فصول الكتاب ذات اسلوب سردي محض ، وبعضها الاخر ذو صبغة اكثر تقنية . وقد اعد الكتاب عن تسجيل لمحاضرات ولقاءات بصورتها الاصلية وبدون تنقيح و اعداد للنشر المطبوع، وهو الامر الذي لا يخفيه الناشر . وبالرغم من نجاح الكتاب في تقديم فكر فاينمان وهو يعمل ، بدون رتوش ، إلا ان هذه "المباشرة " هي نقطة الضعف الرئيسية في الكتاب. فاسلوب فاينمان وهو منطلق على سجيته يتميز بالحماسة التي تجعله يكرر بعض الافكار اكثر من مرة ويتجاوز بعض الافكار الاخرى المهمة بسرعة نتيجة لمعرفته للمستوي الثقافي لمن يستمعون اليه مباشرة . ولعل اكثر الاجزاء وضوحا في الكتاب ، هو التقرير حول كارثة تشالنجر.

و لاتعطي الحواشي شرحا كافيا حول المصطلحات التي تشملها فصول الكتاب، مما يزيد من صعوبة مطالعته. كما تقع احدى الحواشي - اسفل صفحة 67 - في خطا تاريخي عندما تذكر ان الحركة البراونية اكتشفت سنة 1928 من قبل روبرت براون ،  بينما يرجع هذا الاكتشاف إلى سنة 1827 .

وبالرغم من ان بعض المواضيع ترجع إلي اكثر من اربعة عقود مضت، الا انها لاتزال صالحة للنقاش حتى اليوم. و حتى وان كانت بعض محطات الكتاب بعيدة عن اهتمامات القاري غير المتخصص ، فلا يجب ان يعد هذا عقبة امام التمتع بمطالعة الكتاب، لان بعضا من عبقرية فاينمان تتجلى في قدرته على تبسيط اعقد الافكار العلمية.

___________________________________________________ 
 Copyright© 2014 by Ahmed Abdulsalam Ben Taher 
 حقوق النشر محفوظة © 2014 للمؤلف أحمد عبد السلام بن طاهر

فرنسيس كريك ... وداعا ...

" لقد اكتشفنا سر الحياة" 

" فرنسيس كريك في 28 .2 . 1953 "

        في يوليو من سنة ( 2004 م )، جمع العالم الكبير فرنسيس كريك ( Francis Crickأدواته: " النظر والشم واللمس والذوق والسمع والعقل ورحل، ليس لأنه تعب وعجز عن العمل ولكن – اذا جاز لي ان أستعير تعبير كازانتزاكي – عاد الى بيته الارض ، ... ، لان الشمس قد غربت ". وبوفاة كريك عن عمر يناهز 88 عاما ، يكون قد انقضى أكثر من نصف قرن، على محاولته الناجحة مع رفيقه جيمس واطسون ( James Watson ) لاكتشاف الشفرة التي كتب بها ما يعتبره الكثيرون سر الحياة.

ويرجع استخدام تعبير "سر الحياة" هنا، الى حقيقة ان " الآلية الأساسية " التي تمكن الكائن الحي من أن يعطي خلفا يرث عنه صفاته، هي أكثر الصفات فرادة، من بين تلك تفرق بوضوح بين الكائن الحي والجماد. وكان الفيلسوف والعالم الاغريقي "أرسطو" ، قد المح لتلاميذه ذات مرة، بأن السر في تمكن الكائن الحي من التكاثر، هو اشتماله على فكرة – أو مخطط - بناء كائن حي آخر . و حسب تبسيط " أرسطو " فان فكرة – أو مفهوم - الدجاجة متضمنة في البيضة، كما أن جوزة شجرة البلوط تكون مزودة بالمعلومات اللازمة لمشروع تكوين شجرة البلوط .


غير أن فطنة ارسطو المبكرة هذه، لم تلقى الاهتمام الجدير بها طوال قرون عديدة. ولم يشك أحد - طوال القترة التالية له من الزمان - بان المخطط الذي قصده أرسطو هو بالمعنى الحرفي " شفرة " مكتوبة بمواد كيميائية تسكن في قلب خلايا الكائن الحي.

اللغز المهيب :


و مع انتهاء السنوات الخمسين الاولى من القرن الماضي، تجمع للعلماء كم معقول من المعارف حول آلية الوراثة . ولعل أكثر تلك المعارف اساسية، تلك التي جاءت في القرن التاسع عشر ، كثمرة لتجارب القس التشيكي" مندل " (Mendel G. J. ) على النباتات، والتي تتلخص في ان الصفات الوراثية تورث من السلف الى الخلف ليس بشكل عشوائي، وانما حسب قاعدة معينة متكررة. و لا ننسى بالطبع الاكتشاف المهم بان المادة المسئولة عن نقل الصفات الوراثية تستقر في الصبغيات ( الكرموسومات ) المتمركزة في أنوية الخلايا. وكان العالم " ايفري " قد حدد التركيب الكيميائي لهذه المادة ، التي نطلق عليها في الوقت الحاضر اسم " الحمض النووي الريبي منقوص الاوكسجين " ، والتي يختصر اسمها عادة الى " دنا " بالعربية نقلا عن الاختصار الانجليزي ( DNA ).

ولكن كيف يمكن لهذه المادة أن تنقل صفات مختلفة، وبأية كيفية يمكن لها أن تسجل الكم الهائل من المعلومات التي تصف تركيب كائن كامل، بكل التعقيد الذي خلقه عليه الخالق؟ هذا هو السؤال الذي راود المختصون. وحار العلماء في الاجابة على هذا السؤال، ولم يراود معظمهم أي إحساس، بأنه خلال سنوات قليلة فقط سينكشف الغموض عن اللغز الذي بدا لزمن عصيا على الحل، وذلك بعمل من أعمال الفكر المجيدة على يد" كريك " وزمليه " واطسون" .



نظرة من الخارج:

         كثير ما نكتشف من دراستنا لتاريخ العلم ، أن بعض أفضل النظريات التي تقود الى حل مشكلة علمية عويصة في مجال معين، ينجزها مختصون في مجالات علمية اخرى مختلفة أشد الاختلاف. وفي موضوعنا هذا أتت أنجح نظرة الى المشكلة التي واجهت علماء الحياة من الحائز على جائزة نوبل إرفين شرودنجر ( Erwin Schrodinger) وهو أحد علماء الذرة الكبار . و قد صاغ " شرودنجر " رأيه حول الوراثة، في مجموعة من المحاضرات القاها أثناء اقامته في دبلن سنة 1943 ، والتي من خلاصتها صاغ كتابه المعنون باسم ( ما الحياة ؟ ). وفي الكتاب المذكور وصل شرودنجر في تحليله لموضوع الوراثة الى الجملة التي يقول فيها: " ان الصبغيات ، .... ، تحتوي في ما يشبه المخطوط المشفر كل مستقبل الفرد وادائة الوظيفي في حالة البلوغ" . ولقد كان في تحليل شرودنجر هذا لمحة خارقة من العبقرية، التي لفتت انتباه كل من كريك و واطسون . وقد ذكر واطسون بعد سنين ، أنه منذ اللحظة التي طالع فيها كتاب شرودنجر ، استولى عليه الاهتمام بمحاولة اكتشاف سر " الدنا".

الرجل والرفيق:

       ولد فرنسيس كريك في بريطانيا سنة 1916 ، و درس الفيزياء، غير ان دراستة العليا للحصول على درجة الدكتوراه في جامعة لندن ( University College) انقطعت نتيجة لاشتعال الحرب العالمية الثانية. وبعد انتهاء الحرب بسنتين ، وجد كريك لنفسه مكانا في مجال الابحاث الخاصة بعلم الحياة في جامعة كامبريدج البريطانية. وبعد ذلك بأربع سنوات التقى كريك مع الباحث الامريكي واطسون وعمل معه لمعرفة تركيب الدنا، وقد اثمر عملهما المشترك في وضع تصور لكيفية تشفير المعلومات الورائية في الدنا، والذي انكشف من خلال اكتشاف التركيب الحلزوني لهذه المادة .

        ولقد جاءت معظم الاستنتاجات المبدئية التي توصل لها الباحثان نتيجة لعمل من اعمال الفكر الخالص، ثم حصلت مصادفة جعلت الباحثين يثقان في ما توصلا اليه من استنتاجات . ففي أحد الايام تناقش واطسون مع الباحث موريس ويلكينس ( Maurice Wilkins ) من الكلية الملكية في لندن حول النتائج المخبرية لفحص مادة الدنا بوسطة الأشعة السينية . وقد أطلع موريس واطسون على بعض الصور الاشعاعية الواضحة التي حصلت عليها الباحثة روزالين فرانكلين (Rosalind Franklin ) التي تعمل معه في نفس المعمل حول تركيب الدنا. وبدا في بعض الصور الاشعاعية التي شاهدها واطسون ظل متقاطع يشبه الحلزون، وهو الامر الذي سر له كثيرا ، لأنه عرف انذاك أنه وكريك كانا يسيران في استنتاجاتهما على الطريق الصحيح.

       وفي 28 فبرير سنة 1953 اعلن كريك و واطسون اكتشاف تركيب " الدنا" ، وتم نشر اكتشافهما في مجلة نيتشر ( Nature ) في 25 ابريل من سنة 1953 م. و بعد مرور تسع سنوات تقريبا حصل كل من كريك و واطسون و ويلكينس على جائزة نوبل . وفي سنة 1977 م انتقل " كريك " للعمل في موسسة سالك ( Salk Institute ) في الولايات المتحدة و اقام هناك حتى وفاته. وقد شارك " كريك فيما بعد في بعض الأبحاث المهمة الاخرى في مجال علم الحياة ، والف او شارك في كتابة حوالى 130 دراسة علمية ، والعديد من الكتب.

       أما روزالين فرانكلين فقد ماتت في سن مبكر بمرض السرطان الذي نتج عن كثرة تعرضها للاشعة السينية اثناء قيامها بالابحاث . ولم تكن العالمة – لسوء الحظ – تدري حتي يوم وفاتها بالدور المهم الذي لعبته الصور التي التقطتها في اكتشاف تركيب الدنا . وقد ذكر موريس في حوار مع كاتب سيرتها، أنه سمح لنفسه باطلاع واطسون على الصور التي التقطتها روزالين بدون اذن منها، وبدون علمها على لأنه كان يعمل معها في نفس المختبر على نفس الموضوع.

الحلزون المزدوج: 

       وفي المقال الذي نشر في مجلة " نيتشر " أوضح كريك و واطسون ان جزيئات " الدنا" تنتظم في الفراغ على شكل حلزون مزدوج ( double helix ) و اشارا الى اهمية هذا التركيب من ناحية تمكينه " الدنا " على اعادة نسخ نفسه مرة بعد اخرى. والشئ المهم الجديد في هذا الاكتشاف ، هو ان تركيب الدنا يختلف من شخص الى آخر ، وأنه يحمل الشفرة التي توضح طريق بناء كائن حي جديد يحمل الخصائص التي ورثها طبقا للمعلومات المشفرة في "الدنا" الذي ورثه من والديه .


أهمية الانجاز:

        ربما قد لا يعرف البعض أن اكتشاف تركيب " الدنا " يعد أحد أهم اكتشاف القرن العشرين، إن لم يكن في راس قائمة الاكتشافات العلمية العظيمة كلها. وفي هذا الصدد يذكر العالم الفرنسي الحائز على جايزة نوبل جاك مونو ( Jacques Monod ) في كتابه المصادفة والضرورة الاتي : "... ، ان تعريف مندل للمورثة كحامل ثابت للسمات والوراثية ، وتحديدها كيميائيا من قبل ايفري ... ، وتوضيح القواعد البنيوية لثباتيتها التناسخية من قبل واطسون وكريك ، كل ذلك يشكل دون شك الاكتشافات الأساسية من بين كل الاكتشافات التي تمت في علم الحياة ، ...، ".

        أما مات ريدلي ( Matt Ridley ) مؤلف كتاب الجينوم ( Genome ) فقد وضع كريك في مصاف كل من نيوتن واينشتين وداروين . ومن المعروف أن الكثير من الجمعيات العلمية المرموقة احتفلت رسميا سنة 2003 م بمرور نصف قرن على اكتشاف تركيب " الدنا " ، الذي وضع الأساس المتين لمستقبل علم الحياة والطب الحديثين .


___________________________________________________ 
 Copyright© 2014 by Ahmed Abdulsalam Ben Taher 
 حقوق النشر محفوظة © 2014 للمؤلف أحمد عبد السلام بن طاهر

الدواء المغشوش عند أطراف أصابعك !

        تؤكد مجموعة كبيرة من التقارير والدراسات الصادرة مؤخرا، بوتيرة متسارعة ، على حدوث زيادة كبيرة في حجم تجارة الادوية المغشوشة في العالم . و تشكل هذه التجارة حجر الزاوية ، فيما يعرف بتجارة المستحضرات الصيدلانية الغير قانونية . وتشتمل هذه المستحضرات على الادوية والمواد الجراحية، امصال الوقاية والتطعيم، وسائل منع الحمل و مواد التحاليل التشخيصية.


حجم المشكلة


         رغم صعوبة تحديد حجم هذه التجارة بدقة ، إلا ان مصادر منظمة الصحة الدولية تقدرها بحوالي 7 -10 % من اجمالي تجارة الادوية في العالم ، وهو ما يتفق مع ما تقول به الجمعية الدولية لمصنعي الدواء( IFPMA ) . وكانت ادارة الغذاء والدواء الامريكية ( FDA ) قد قدرت، سنة 2005 ، قيمة هذه التجارة بما يزيد على 32 مليار دولار سنويا ، مقتربة في ذلك من تقدير المصادر الاوربية. هذا كما لفتت هذه الادارة النظر إلى تزايد عدد قضايا الادوية المغشوشة التي حققت فيها من 4 سنة 1998 إلي 58 سنة 2004 . و من المفزع حدوث مثل هذه الزيادة خلال سنوات قليلة ، في بلد يفتخر بان لديه افضل نظام في العالم لمراقبة توزيع، وتتبع الادوية .

هذا و قد ذكر تقرير صادر عن الاتحاد الاوربي ، ان حوالي 8% من كل المبالغ التي تصرف على المركبات الدوائية في اوربا ، تجد طريقها إلي جيوب المجرمين من صانعي و مروجي العقاقير المغشوشة، كما اضاف بان المصيبة اعظم في دول اوربا من خارج الاتحاد.

واذا كان هذا هو حال الدول المتقدمة ، فلن يبدو مستغربا ان تكون المشكلة - حسب معظم المؤشرات - اكثر تفاقما في اغلب الدول النامية. وللدلالة على ذلك، نشير إلي ما جاء في تقارير ادارة الغذاء والدواء الامريكية ، من ان حوالي 25% من الادوية المتوفرة في الدول النامية - و 50% في بعض انحاء اسيا - هي ادوية مغشوشة، أو من نوعية رديئة، غير مطابقة للمواصفات. ويقترب هذا التقدير مما اعلنته منظمة الصحة الدولية سنة 2003، في احد نشراتها.

سياسة النعامة


         بالرغم من رصد منظمة الصحة الدولية لحوالي 770 حالة غش دوائي بين عامي 1982 و 1999 ، اغلبها حدث في الدول النامية ( حوالي 70 % ) ، خاصة الافريقية منها، إلا ان الجهات الدولية القادرة لم تتخذ آنذاك ، مع الاسف، اي اجراءات رادعة لتفشي هذه الظاهرة. وكان مما سوغ هذا السلوك ، علاقة المشكلة بالعالم النامي ، الذي يصعب التنسيق معه بسبب فساده الاداري ، و ضحالة امكانياته المادية والفنية. كما ساعد التجاهل الذي ابدته الدول المتقدمة حيال هذه الظاهرة في تفاقم المشكلة . وكانت هذه الدول قد استكانت في السابق ، إلي الاعتقاد بقدرة قنواتها المحكمة لايصال الدواء من المنتجين إلى مواطنيها ، على الوقوف بنجاح في وجه هذه التجارة الملعونة. و نتيجة لهذا ولغيره ، ترك العالم النامي يواجه مصيره منفردا لا كثر من عقد ونصف من الزمان.

غير ان الامور اصبحت اكثر تعقيدا منذ منتصف التسعينات ، بعد انتشار تجارة الادوية عبر الانترنت، التي تصعب مراقبتها وملاحقتها محليا أو قاريا. كما زاد الطين بلة، تمكن بعض الشبكات الاجرامية المنظمة ( مافيا الادوية المغشوشة) ، من التسلل إلي الشبكات الرسمية لتوزيع الادوية في الغرب . وكانت هذه الشبكات قد ركزت نشاطها في البداية، علي غش العقاقير الحديثة باهضة الثمن التي تعاظم انتشارها في العقد الاخير، ثم انتقلت بعد ذلك الي غيرها من الادوية. ولهذا تعالت في السنوات الاخيرة، صرخات المسئولين في الدول المتقدمة ، بعد ان وجدوا بلدانهم، لسخرية القدر، تشارك العالم النامي ذات القارب المتعثر.

الغش أنواع


        تذكر مصادر التجمع الخيري لشركات الدواء الالمانية المسمي ( GPHF) بان حوالي 7% من الادوية المغشوشة التي تدور في العالم ، هي متقنة التقليد من ناحية التغليف والمادة الدوائية الموجودة بداخل العلبة ، وعليه فليس هناك ضرر صحي ينتج من تعاطي هذه العقاقير. أما ما يقدر بحوالي 17 % من منها فيكون تغليفها متقنا ، غير ان محتواها الدوائي هو اقل نقاوة و تركيزا من المطلوب، أو ملوثا، أو مصنوعا من دواء اصلي منتهي الصلاحية. و يتخصص الغش بالطريقتين المذكورتين في الادوية غالية الثمن نسبياً ، التي يسمح هامش الربح العالي فيها ، بالسخاء في الانفاق علي الانتاج. وتنتشر العقاقير السابقة في الدول الغنية ، أو تلك التي لها درجة تقنية مرتفعة نسبيا في الرقابة علي الادوية.

و طبقا لابحاث المصدر الالماني المذكور ، فلا تحتوي اغلبية العقاقير المغشوشة التي تسوق في الدول النامية، والدول الغنية المتخلفة تقنيا ،علي اي مركب دوائي ، بل على الماء المعقم ، أو مواد غير ضارة مثل النشا وسكر الجلوكوز وبعض الالوان. ورغم ان هذه الادوية غير ضارة بصورة مباشرة ، إلا انها قد تتسبب في الضرر الفادح ، لتركها من يتعاطاها بدون أي دفاع في وجه مرض فتاك. وتطال اغلب حالات الغش هذه ، ادوية مهمة جدا للعالم النامي ، مثل المضادات الحيوية ، وادوية الملاريا ، و علاجات مرض الايدز ، وعقاقير امراض الاطفال الاكثر انتشارا، كادوية تخفيض الحرارة، وغيرها.

وتشكل المجموعة الثالثة من الادوية المغشوشة ، حوالي 16% من مجموعها العالمي، وهي المجموعة التي تتميز باختلاطها بمواد سامة - اشهرها مادة ثنائي ايثيل القلايكول ( Diethylenglycol )- نتيجة للانتاج الخاطئ في معامل بدائية.

قمة جبل الجليد


        في الواقع، لا احد يعلم علي وجه التحديد عدد الانفس البريئة التي ازهقتها الادوية المغشوشة. غير ان تقارير منظمة الصحة الدولية وبعض المنظمات الاخرى ، تسجل من وقت لاخر بعض ما يطفو على السطح بالصدفة: في العام 1990 سجلت 100 حالة وفاة في نيجيريا بسبب دواء لعلاج السعال مغشوش بمادة سامة. أما في هايتي فقتل 89 شخصا عام 1995، كنتيجة لتعاطي ادوية لتخفيض الحرارة ملوثة بمادة ثنائي ايثيل القلايكول السامة . و حتى سنة 2005 حصدت هذه المادة اكثر من 500 روح آخري. ، وتتغير اعداد الضحايا من تقرير إلى آخر ، وعند الوصول إلى عدد الضحايا في الصين سنة 2001 ، نجد رقما مهولا ( 192000 ضحية ) ، حسب احد المنشورات الاسيوية ، وهو رقم يصعب معه ذكر اي تعليق. أما اعداد من تضرروا ولم يموتوا فلا يعلمها إلا الله.


وبمطالعة التقارير الدولية تطالعنا بعض اسماء الدول الاخري : النيجر، كينيا ، المكسيك، فيتنام ، تايلاند ، سنغافورة ، تركيا ، كمبوديا ، الهند ، باكستان، وغيرها . كما نتعرف من التقارير علي بعض اسماء انواع الادوية الاخرى التي تم غشها: مصل ( تطعيم ) للوقاية من التهاب السحايا، مرهم لعلاج الحروق، علاجات الملاريا ، علاج لتخفيض الوزن، واخري لتخفيض دهون الدم ، مضادات حيوية مختلفة و عقاقير لعلاج الملاريا ومرض الايدز، وغيرها. ولانجد بين في التقارير الدولية اسماء الدول العربية، وهو امر متوقع بسبب ضعف وسائل المراقبة والاكتشاف من ناحية ، و لمعرفتنا بعدم حب دولنا لنشر " الغسيل الوسخ" امام الجميع من الناحية الاخرى ، غير ان هذا لم يمنعنا من اكتشاف بعض هذا " الغسيل " في الصحافة الغير حكومية والاهلية من وقت لآخر.

فتح عينك!


        تنتج اغلب الادوية المغشوشة التي تضبط في العالم حاليا في بلدان اسيوية ( الصين الهند باكستان فيتنام وغيرها ) وكذلك بعض بلدان امريكا الجنوبية. وقد انضمت بعض دول اوربا الغير عضوة في الاتحاد الاوربي، إلي القائمة السابقة في الفترة الا خيرة. هذا و تصلنا ، من وقت لآخر ، بعض التقارير حول ما يعرف بمصانع " تحت السلالم" متخصصة في انتاج الادوية المغشوشة في بعض البلدان العربية .

ورغم عدم تفريق نتائج هذه التجارة الخبيثة بين مجموعة عرقية وآخرى، إلا ان ماسيها تتجسد بكافة ابعادها في الاقطار التي تعاني من كثرة الفقر والجهل والفساد، و تلك التي تتنقل فيها الادوية ، بلا رقيب أو حسيب ، بين الموزعين وارفف الصيدليات ، وبعد ذلك الى ايدي المرضى.

هذا وكانت منظمة الصحة الدولية قد لخصت، ذات مرة ، عوامل استشراء هذه المشكلة في العالم النامي في : نقص ضبط و تسجيل الادوية المستوردة والمباعة، ضعف مراقبة مراكز انتاج الادوية المحلية و عدم كفاءة مراقبة استيراد وتوزيع العقاقير، هذا بالاضافة الى مشكلة تجارة حقائب السفر والتهريب ، وعدم توفر الخبرات البشرية والمختبرات المؤهلة للكشف عن الادوية المغشوشة. ونحن نعاني ايضا في اغلب بقاع وطننا العربي– بدون آية مبالغة - من فائض هذه العوامل.

___________________________________________________ 
 Copyright© 2014 by Ahmed Abdulsalam Ben Taher 
 حقوق النشر محفوظة © 2014 للمؤلف أحمد عبد السلام بن طاهر

المراجع (References):


1. AMIN, A. A. & KOKWARO, G.O. (2007): Antimalarial drug quality in Africa.. J Clin Pharm Ther, 32, 429-40.
2. AMIN, A. A., SNOW, R. W. & KOKWARO, G.O. (2005): The quality of sulphadoxine-pyrimethamine and amodiaquine products in the Kenyan retail sector.. J Clin Pharm Ther, 30, 559-65.
3. DEISINGH, A. K. (2005): Pharmaceutical counterfeiting.. Analyst, 130, 271-9.
4. JAMES, J. S. (2005): FDA, companies test RFID tracking to prevent drug counterfeiting.. AIDS Treat News, , 5-8.
5. KELESIDIS, T., KELESIDIS, I., RAFAILIDIS, P. I. & FALAGAS, M.E. (2007): Counterfeit or substandard antimicrobial drugs: a review of the scientific evidence.. J Antimicrob Chemother, 60, 214-36.
6. LON, C. T., TSUYUOKA, R., PHANOUVONG, S., NIVANNA, N., SOCHEAT, D., SOKHAN, C., BLUM, N., CHRISTOPHEL, E. M. & SMINE, A. (2006): Counterfeit and substandard antimalarial drugs in Cambodia.. Trans R Soc Trop Med Hyg  100,  1019-24
7. MCDERMOTT, M. K., ISAYEVA, I. S., THOMAS, T. M., LEE, A. S., LUCAS, A. D., WITKOWSKI, C. N. & HUTTER, J.C. (2006): Characterization of the structure and properties of authentic and counterfeit polypropylene surgical meshes.. Hernia, 10, 1314-42.
8. MONTOYA, I. D. & JANO, E. (2007): Online pharmacies: safety and regulatory considerations.. Int J Health Serv, 37, 279-89.
9. SARKAR, P. & GOULD, I.M. (2006): Antimicrobial agents are societal drugs: how should this influence prescribing?. Drugs, 66, 893-901.
10. VIJAYKADGA, S., CHOLPOL, S., SITTHIMONGKOL, S., PAWAPHUTANAN, A., PINYORATANACHOT, A., ROJANAWATSIRIVET, C., KOVITHVATTANAPONG, R. & THIMASARN, K. (2006): Strengthening of national capacity in implementation of antimalarial drug quality assurance in Thailand.. Southeast Asian J Trop Med Public Health, 37 Suppl 3, 5-10.
11. ONWUJEKWE, O., KAUR, H., DIKE, N., SHU, E., UZOCHUKWU, B., HANSON, K., OKOYE, V. & OKONKWO, P. (2009): Quality of anti-malarial drugs provided by public and private healthcare providers in south-east Nigeria. Malaria journal, 8, 22.
12. ZUMOFF, R. (2007): WHO reports counterfeit drugs are a global calamity.. Nephrol News Issues, 21, 22.
13. LOPES, M. B., WOLFF, J., BIOUCAS-DIAS, J. M. & FIGUEIREDO, M.A.T. (2009): Determination of the composition of counterfeit Heptodin tablets by near infrared chemical imaging and classical least squares estimation. Analytica chimica acta, 641, 46-51.
14. WERTHEIMER, A. I. & NORRIS, J. (2009): Safeguarding against substandard/counterfeit drugs: Mitigating a macroeconomic pandemic. Research in social & administrative pharmacy : RSAP, 5, 4-16.

الشواك الأسود

 الشواك الاسود(Acanthosis nigricans) هو تغير جلدي خشن الشكل اسود اللون غالبا ما يري في منطقة ارتباط العنق بجذع الجسم ، ويكون مسايرا لالتواء الرقبة ومتركزا في الغالب خلف الرقبة كما قد يظهر تحت الابطين، وفي أماكن أخرى من الجسم.

       
        و يشاهد هذا التغير الجلدي في الغالب عند السمان، و المصابون بالسكري من النوع الثاني (Furqan, et al.2014) . ويدل الشواك الاسود بشكل ما على وجود حالة شديدة من حالات مقاومة تاثير الانسولين . ومن المعروف علاقة حالة مقاومة الانسولين بالمعاناة من ارتفاع الضغط الشرياني و ارتفاع مستويات الدهون الثلاثية (Napolitano, et al. 2015) و متلازمة المبيض المتعدد الكيسات (polycystic ovarian) و اضطراب توزيع الشعر عند النساء ( Islam, et al. 2015). وفي حالة ظهور الشواك الاسود قبل الاصابة، يكون دليلا على امكانية الاصابة بالسكري من النوع الثاني في المستقبل، للمتابعة هنا الرابط..


______________________________________________
Copyright© 2015 by Ahmed Abdulsalam Ben Taher
حقوق النشر محفوظة © 2015 للمؤلف أحمد عبد السلام بن طاهر 

درنة والطاعون

        لقرون طويلة كان ذكر " الطاعون" أو " الموت الأسود " كفيلا بإثارة أشد حالات الرعب والفزع، وهو الأمر الذي جعل المؤرخين يربطون اسمه بمصائر الولايات والمدن، وليس بأقدار الرجال والأفراد فحسب. ولهذا فللكثير من المدن حكايتها الخاصة عن الطاعون . ولمدينتي الصغيرة " درنة "، النائمة منذ قرون على الشاطئ الليبي حكايتها الخاصة مع الوباء الذي عربد في أزقتها الضيقة الشاحبة، وضواحيها الخضراء الهادئة في أحد أيام سنة 1816 م.

        ومنذ ذلك الوقت حام الوباء حول المدينة الطريدة كل عدة عقود ، ليختطف أرواح بعض الفانين ، من القرى الرعوية المتربة ، التي تتناثر عند أطراف المدينة. ومنذ منتصف القرن الماضي ، بعد هزيمة الطاعون الساحقة على يد المضادات الحيوية ، لم يعد أحد يهتم بالموت الأسود، وانشغل عنه سكان المدينة القدامى بعاديات الأيام التي مرت عليهم فهزتهم من الصميم، وغيرت طباعهم و حياتهم كلياً كأنها للأبد. وتبخرت مع الأيام شخصية درنة التي احتفظت بها بين ذكريات طفولتي وشبابي المبكر، بعد أن ازداد عدد سكانها، الذين أضافوا إلى قصتها، حكايات أمكنة أخرى بعيدة، وضعفت بمرور الزمن ذاكرة المدينة القديمة مع رحيل جل الحواريين القدامى إلى السماء، تاركين عزيزهم مصلوباً بين الجبل والبحر ليتولاه الله، ويتملقه الجناة . وكادت تضيع – مع ما ضاع - حكاية درنة مع الطاعون ، لولا بعض ما ورد عنها بشكل عابر في زوايا الكتب.


الحكاية الضائعة


        وقد يظن القارئ الحصيف، أنه ربما كان الغرض من مقالي هذا ، التطرق إلى التاريخ الاجتماعي للمدينة ، للتباكي بشوق غامض على أيام طفولتي وشبابي المبكر . غير أن الأمر ليس على هذا النحو، ... هذا على الأقل فيما يبدو لإدراكي الشخصي. ورغم كل شيء، ورغم اعترافي المسالم هذا، فقد يحتج أحد مستوطني " رباية الذايح " من الموضوع برمته ، ويصيح متذمرا ... " أه ... الدراونة بدو لنا في الأسطوانة الدرناوية من جديد!"

         ورغم أن الاحتجاج والشكوك المذكورة قد تكون مبررة بشكل من الأشكال، فإن حقيقة الأمر ليست كذلك . كل ما في الأمر أن الطاعون، يتداخل مع التاريخ الاجتماعي والاقتصادي للمدن التي يستبيحها، مما يتسبب في اختلاط حكايته مع مصائر ضحاياه من المدن في إطار سحري غامض ومثير. وتختلط القصص بمجملها بحكايات فرعية لمصائر أشخاص و عائلات ، وبعض الأساطير و الخرافات.

       ولكن أسطورة درنة وخرافتها مع المرض ضاعت فيما يبدو بسبب ما ذكرته مما حدث للمدينة، وبعد إزالة المسّاحين الغرباء- الذين تولوا إعادة تخطيط المدينة آنذاك- لأحجارها ودورها القديمة التي لا تربطهم بها أي علاقة حميمة، فضاعت مع نقوش الأبواب الأندلسية ، وأجواء الجنائن الغرناطية الطابع، وقراطيس الخزائن العتيقة ذكرى الأحداث.

الهُويّة الضائعة:


      وفي الواقع لا يمكنني أن أستبعد أي شيء، بعد الحادثة التي حصلت لي منذ فترة . وقتها أوقفت سيارة أجرة، ودلفت إليها لاجد نفسي مشاركا المقصورة مع شاب استوقفتني لهجته الغريبة، وبدا لي أكثر شبها بقائد قافلة عابرة ضل طريقه إلى" تمبكتو " البعيدة. وبعد أن أعلنت أمامه وجهتي، باغتني بسؤال - وهو يتفحصني بعيني ذئب، بينما كانت شعرات رأسه الأمامية الصفراء المثبتــة بإحكام بأحد المراهم تلمع-"الاستاذ من وين؟ ".

       في الحقيقة لم أدر وقتها، إذا ما كان السؤال من مستلزمات أحد الأعمال الإضافية التي يمارسها هذا الشاب لكسب المال، غير أني حاولت أن أجاري الحاذق تطفله، وأتملق بديهته الواعدة ، فرددت على سؤاله بسؤال مراوغ : " شنو رايك ؟ " .... وأنا ألفظ الكلمات بأقصى ما أستطيع من رخوة لسان درناوية أصيلة، غير شاك - بأي حال من الأحوال - بمدى وضوح اللهجة ، وسهولة السؤال .

فأجاب متفاخرا :

- الأستاذ عراقي ... قالها بثقة في النفس، وهو ينظر إليَّ بتركيز واضح، تاركا قيادة العربة لرحمة الله .

- فسألته : الأخ درناوي ؟ وأنا أشعر بخيبة أمل كبيرة، حاولت قدر الإمكان أن أخفيها بوضع أصابعي على صدغي الأيسر، في محاولة مني لإخفاء " الستوك " الذي اخذا يتساقط عن وجهي قطعا... قطعا ... ، معلنا عن حقيقة مشاعري العارية .

       تذكرت هذه الحادثة ، وأنا أفكر بأنه ربما قد تكون التفاصيل الدقيقة لحكاية درنة مع الطاعون قد ضاعت هي الأخرى ، مثلما ضاعت هُويَّـتي العزيزة بهذه السهولة، هُويَّـتي التي دافعت عنها مرارا أمام مغريات التجنس بجنسية أجنبية.


       أما الذي أعاد الحياة إلى كل هذه الأفكار والذكريات ، فكانت مطالعتي لما كتبه الدكتور عبد الكريم بوشويرب في صفحة (148) من كتابه (أعلام ومعالم من تاريخ الطب في ليبيا)، حيث قال : " .... وفي سنة 1816 ، ضرب وباء الطاعون مدينة درنة بشكل قوي أدى إلى هلاك كثير من السكان نتج عنه نقص تعداد السكان من خمسة الآف إلى خمسمائة فقط "كما أورد المؤلِّف بعض المعلومات عن هذا الأمر نقلا عما كتبه الطبيب الإيطالي "باولو ديلا شيلا" الذي رافق حملة أحمد باي ،ابن يوسف باشا التي وصلت درنة سنة 1817م .

الحكاية الباردة      

         التفاصيل التي أوردها الكتاب كانت حرفية و باردة ، وأزالت كل السحر والغموض الذي تحمله حكاية من هذا النوع ، بما تبعثه في نفسي من شعور طفولي منتشٍ بالغامض والمجهول ، مثل الذي كان يراودني في بيتنا القديم في شارع " وسع بالك !" عندما كان ماء المطر يتساقط في وسط بيتنا ، فأمرح مع أختي الكبرى ، ونختبئ في أحد الأمكنة التي يتساقط قربها الماء من أحد " المزاريب " على البلاط الأحمر العتيق ، ونغني : " يامطر يارشراشة ... هدمي حوش الباشا ... ، ..." وكانت كلمة الباشا وقتها ، تحمل لنفسي خيالات بيت عظيم يسكنه رجل غامض أبيض الشعر، كث اللحية، متورد الخدين، وفتيات صغيرات يرقصن أمامه كالجنيات تحت المطر المتساقط ، فتزداد متعتي وخوفي.

        غير أنه مثلما لم يمحُ اسم " وسع بالك " من خاطري ذكرى المرحوم " إبراهيم الأسطى عمر" و قصة الأصوات الماجنة التي كانت تتناهى إليه من النافذة في الليل ، وهو يكتب خطاباته لجمعية عمر المختار:" ارقد يارهومة ، البلاد والله ما صاير منها "، كذلك لا يمحو كل ما قلناه ، حقيقة إصابة درنة بالطاعون إصابة فتاكة آنذاك ، ظلت حكاياتها تتردد في أزقة المدينة المتعرجة جيأة وذهابا - كروح مقتول تبحث عن خلاصها - حتى وصلت بعد الحادثة بسنة كاملة -إلى أسماع الطبيب " ديلا شيلا " وهو يستلقي قرب الباي في أحد أيام سنة 1817م في أحد الزوايا مستمعا لرجل يتزلف إلى الباي ، محدثا إياه - بطريقة بعض الشيوخ المعسولة - عن الأحداث و الكرامات التي حدثت وقت الوباء ، بينما كانت سحابات الدخان التركي الذي ينفثه الباي ترتفع عبر هواء الغرفة ، كنتف قطن رقيقة تتراقص في الهواء ، وهو ينتظر على مضض انتهاء "العجوز" من حكاياته التي لايصدق منها حرفا واحدا، لكي يختلي إلى طبيبه الإيطالي ويحصل منه على علاج للبواسير التي أصابته، وهو يقود جيشه لإعادة درنة الثائرة لسيطرة باشا طرابلس.

شكوك وملاحظات

       ورغم برودة حكاية " ديلا شيلا " ، فإني شعرت منذ البداية بمبالغة " ديلا شيلا " في قوله بإنقاص الوباء لعدد السكان إلى خمسمائة فرد فقط. وفكرت، بأن الأمر لو كان صحيحا، لتركت الكارثة فراغا سكانيا كان من الممكن أن يشغله أناس آخرون. وكما اتضح لي فيما بعد ، فلم تكن شكوكي المذكورة بلا مبرر ، فقد تطرق المرحوم مصــطفى الطرابلسي إلى الموضــــوع نفسه في صفحة ( 131 ) من كتابـه ( درنة الزاهرة.. قديمــا وحديثا )، حيث كتب: " ... ومن جهة أخرى، فقد بالغ ( ديلا شيلا ) في قوله عن الوباء الذي اجتاح مدينة درنة أنه هبط بعدد سكانها من سبعة الآف إلى ما لا يزيد عن خمسمائة نسمة ، وهذه مبالغة لا تخفى إذ لو كان ما قاله صحيحا لانقرضت أكثر العائلات بدرنة ، .... ، ولتواترت أخبار هذا الوباء ولروى لنا المعمرون من أبناء الجيل الماضي أخبار هذا الفتك الذريع الذي يشبه الانقراض الكامل لسكان المدينة".

___________________________________________________
 Copyright© 2014 by Ahmed Abdulsalam Ben Taher
 حقوق النشر محفوظة © 2014 للمؤلف أحمد عبد السلام بن طاهر

معالم الطب الفرعوني


       لقد مد اكتشاف برديات الفراعنة الطبية، الخبراء بثروة من المعلومات القيمة، التي أنارت لهم السبيل للولوج ألى مجاهل الطب المصري القديم الذي مورس لمدة تزيد على الثلاثة الالاف عام. وهكذا تيسر لنا استشفاف الآفاق التي وصل إليها هذا الطب وما تركه من أثر في فن التداوي عند الحضارات اللاحقة، ومن بينها حضارتنا العربية في عصرها الذهبي. وبالطبع ما كان لهذا كله أن يتحقق لولا ابتكار المصريين للكتابة الهيروغليفية، التي كانت الوعاء المناسب، الذي نقل عن طريقه المصريون علومهم الينا. ويعتقد " بول غاليونجي و زينب الدواخلي"، في كتابهما " الحضارة الطبية في مصر القديمة" انه لولا اختراع المصريين للكتابة وطريقة تسجيلها على لفائف أوراق البردي، لما تمكنوا من الحفاظ على خبرتهم الطبية وتطويرها.

      ويبدو من دراسة المدونات المذكورة، خلط قدماء المصريين لممارسة الطب مع معتقداتهم الدينية، حيث اعتقدوا بان بعض الأمراض الداخلية تنشا من غضب الآلهة، أو نتيجة لتأثير الأرواح الشريرة وتقمصها لجسد المريض. ولهذا السبب كانت محاولة الشفاء من أعراض هذه الأمراض تقوم على استخدام التعاويذ الدينية في المقام الأول. أما استخدام العلاج الدوائي فقد حل في المرتبة الثانية، وكان الهدف منه علاج الأضرار التي نشأت من دخول الأرواح الشريرة جسد المريض. أما في حالة علاج الأمراض الظاهرة، مثل الكسور والجروح وغيرها، فلقد اعتمدوا على استخدام الخبرة والمنطق في المقام الأول . وكمثال على المزج بين التعاويذ الدينية والدواء في علاج المرض عند المصريين القدامى، نقتبس عن  " جان شارل سورينا "  في كتابه "تاريخ الطب"، ما جاء في بردية ايبرز حول علاج الثعلبة ( مرض يسبب سقوط شعر الراس علي هيئة دوائر ): " التعزيمة: أنت المضيء الذي لا تتحرك من مكانك، الذي يحارب الخطيئة، آتون ( الإله ) نجني مما أصاب قمة الراس. تتلى هذه التعزيمة على الصلصال الأصفر، والحنظل، والهيصم، وحبوب تسمي عين السماء، والعسل ثم تسحق معا ويدهن بها الراس. ".

ولقد عرف أبناء مصر القدامى الكثير من خواص النباتات والمعادن العلاجية، و استخدموا بعض أجزاء جسم الحيوان كعلاج، أما المركبات المعدنية فلم يستخدموها الا في النزر اليسير من وصفاتهم. ونتعرف في وصفاتهم الطبية على البصل والثوم والشبت والخشخاش المخدر، ونباتات النعناع والصبر والمر والمستكي والخروع و ست الحسن والعنب والتوت والكمون وحبوب الكسبرة والصعتر وغيرها. وقد استمر الاعتماد على هذه النباتات خلال القرون التالية ، ولا تزال تستخدم في الكثير من وصفات الطب الشعبي في وقتنا الحاضر. أما الوصفات التي اعتمدت على مكونات حيوانية، فقد اشتملت أشياء متفرقة كثيرة: فمن مخ السمك، الي لبن الحمارة، ومن شعر القطط حتى مرارة السلحفاة ودم الغزال والخفاش، وغيرها. ويبدوا أنه كان للعسل تقدير خاص فاق استخداماته الطبية المتكررة في علاج الكثير من الأمراض الباطنية والجلدية، وهو الأمر الذي يمكن تبينه مما ورد في احدي الرقيات المدونة في "بردية هيرست" : "... تعال أيها العسل تعال مسرعا كالجراد... بسرعة السفينة فيك الشفاء ".

وقد اعتقد المصريون القدامي بشدة في وجود علاقة بين اضطراب الهضم و الإصابة ببعض الأمراض. ويبدوا ان هذا الاعتقاد هو الذي كان يقف وراء إكثارهم من النصح باستخدام المسهلات مثل ثمار التين المجففة، وزيت الخروع لعلاج الكثير من الامراض. وقد عرف المصريون طرقا متعددة لتعاطي الدواء، اشتملت على المراهم، والغرغرات، و التحاميل وقطرات العيون و استنشاق الابخرة، بالاضافة طبعاً ، لتعاطي الدواء عن طريق الفم. ويذكر "هاريس" (JR Harris) في كتابه "وصية مصر"، أن من أهم ملامح الطب المصري ثراء ، اشتماله على اطول تسجيل لاستعمال العقاقير المختلفة التي انتقلت بعد ذلك الى النصوص العبرية والسريانية والفارسية والإغريقية والعربية. أما الباحث " كورليتو"( Corleto ) فيقول بان الوصفات الطبية الفرعونية تحتل مكانا استثنائيا من حيث تنوعها وغناها مقارنة بطب كل الشعوب القديمة الاخرى .

و يخبرنا المؤرخ اليوناني هيرودوت ( Herodotus ) الذي زار مصر حوالي سنة 457 ق.م، عن وجود أخصائيين في أمراض البطن وأمراض النساء و أمراض العين في بلاد الأهرامات انذاك . و يبدوا لنا من هذا، أن المصريين القدامى كانوا قد أدركوا ، في وقت مبكر، أهمية التخصص في ممارسة الطب، وهو الأمر الذي ربما ساعدهم في تطوير طبهم للمستوى الرفيع الذي تخبرنا به البرديات.

ولقد ترك لنا أطباء الفراعنة وصفاً دقيقاُ لبعض الأمراض، مما يدل على معرفتهم الجيدة بها. ويبدو انهم كانوا قد حازوا على خبرة عملية جيدة، في مجال علاج الجروح والكسور وخلع المفاصل ووقف النزيف والتضميد وعمليات الختان. غير أنهم لم يقوموا إلا ببعض العمليات الجراحية البسيطة والسطحية نظرا لضحالة معرفتهم بالتشريح، هذا إذا استثنينا عملية ثقب الجمجمة (trepanning ). وكانت عملية الثقب هذه، تجرى أحيانا كعلاج لبعض الأمراض العصبية والنفسية مثل الصرع والعته، التي كانوا يعتقدون بانها ناتجة عن دخول الأرواح الشريرة الى راس المريض. ومن المعروف أن المصريين هم أول من اكتشف علاقة النبض الذي يقاس عند المعصم بضربات القلب.

___________________________________________________
 Copyright© 2014 by Ahmed Abdulsalam Ben Taher
 حقوق النشر محفوظة © 2014 للمؤلف أحمد عبد السلام بن طاهر

غذاء الذاكرة

          يتركب الدماغ من خلايا عصبية نسميها " عصبونات " (neurons)، يشكل نشاطها وتشابكها أساس التفكير والذاكرة، كما تسبغ على السلوك بعض ملامحه المميزة. و يعتمد هذا العضو في تأدية وظائفه ، على ما يصله مع الدم من غذاء ومن غاز الأكسجين. والقدرة على التذكر هي إحدى وظائف الدماغ الأساسية، التي تلعب دورا مهما في إنجازه لوظائفه الفكرية الراقية. وتتجسد أهمية الذاكرة في تسهيل الربط بين خبراتنا الراهنة و معارفنا السابقة، مما يسمح بالوصول إلى استنتاجات معرفية جديدة. ولهذا فمن الطبيعي أن تتجسد مشاكل الذاكرة فيما يعرف بضعف القدرة على التعلم وإنتاج الأفكار الجديدة والمبدعة، وتدني النتائج المتحصل عليها في الاختبارات المدرسية.

         وفي العقود الأخيرة، يري الكثير من الخبراء أن الدماغ هو أكثر أعضاء الجسم تاثرا بسوء التغذية، ويشدد فريق من منهم، على أن تحتل أساليب التغذية الصحيحة، مكانا جوهريا في المحاولات الهادفة للحفاظ على قوة الذاكرة وتحسينها.

الدماغ عضو متطلب

        ترجع حساسية الدماغ المفرطة لسوء التغذية لفرط حاجته للمواد المغذية و الاكسجين . فرغم أن وزن الدماغ لا يتجاوز 2% من وزن الجسم ، نجده يحتاج يوميا الى حوالي 20% من حاجة الجسم الاجمالية اليومية من الطاقة ، و 15 % من الدم الذي يضخه القلب كل مرة، و 25% من الأوكسجين الذي نتنفسه.

        ويستخدم الدماغ سكر الجلوكوز ( سكر العنب ) كمصدر للطاقة اللازمة لعمل الدماغ واستمراره في العيش، ولهذا يطلق البعض على هذا السكر اسم " بنزين الدماغ ". وبينما تستطيع أعضاء الجسم الأخرى استخلاص الطاقة عن طريق حرق السكر أو الدهون ، نجد خلايا الدماغ عاجزة عن استخلاص الطاقة من الدهون. ولكون سكر الجلوكوز غذاء خلايا الدماغ الأساسي ، لذا يعتبر الحفاظ على مستوى مناسب وثابت من هذا السكر في الدم، أمرا حيويا، لمن يريد أن يجنب نفسه التعرض لاضطرابات آنية في قدرته على التذكر.

        ويتحصل الانسان على الجلوكوز من السكريات و من المواد النشوية . والاطعمة التي تفي بهذا الغرض : الخبز ، حبوب الصباح " الكورن فلكس " ، المعجنات والبطاطس والفواكه والعسل. وفي الغالب يتكون غالب افطار مختلف الشعوب من هذه الماكولات . ومن اللازم تزويد الجسم بقدر كافي من سكر الجلوكوز عدة مرات في اليوم ، خاصة قبل ممارسة الأعمال التي تستدعي استخدام القدرات العقلية بتركيز شديد، أو الانخراط في اعمال مجهدة جسديا. وقد أبرزت الكثير من الدراسات انخفاض مستوى الانتباه والتركيز والتذكر عند اطفال المدارس الذين لا يتناولون طعام الافطار مقارنة بمن يحرصون على تناوله .


توابل التفكير

       وقد لاحظ الباحثون، أهمية الفيتامينات لصحة و وظائف الدماغ ، واعتقدوا في البداية أن السبب في ذلك هو ضرورة توفر الفيتامينات لاتمام عملية استخلاص الطاقة. غير أن الأبحاث الحديثة أظهرت جانبين آخرين كانا مجهولين، من أوجه تأثير الفيتامينات على أداء الدماغ: أولهما نتاج علاقتها بالنواقل العصبية  ( neurotransmitters ) ، أما الأخر فيرجع لتاثيراتها المضادة للأكسدة (Antioxidant) .

        و يحلو للبعض أن يطلق علي الفيتامينات تعبير " توابل التفكير "، للتدليل على أهميتها لنشاط الدماغ وإبراز قدراته المعرفية الراقية ، التي تعتمد بشكل كبير على الذاكرة. ويمكننا ابراز دور هذه العلاقة بذكر أهمية فيتاميني " ب 12 " و " الحمض الفولي " لإنتاج مادة الكولين (Choline) في الجسم. ويحتاج الجسم لهذه المادة لصنع " الاستيل كولين " ، وهو ناقل عصبي يلعب دورا مهما في عملية التعلم والتذكر. ويؤدي عدم توفر الناقل المذكور إلى انحدار القدرة على التذكر، وصعوبة التركيز والشعور بالنعاس.

       وقد ذكرت دراسات متعددة ، أن هناك علاقة قوية بين وجود مستويات عالية من فيتامين الحمض الفولي والتمتع بقدرات عقلية جيد عند من بلغوا أو تجاوزوا العقد السادس من العمر ، هذا بشرط توفر مستويات طبيعية من فيتامين ب 12 في دمائهم. كما لاحظت الدراسة علاقة انخفاض مستويات فيتامين " ب12 " بتدهور القدرات العقلية المعرفية. كما اوضحت دراسات أخرى مظاهر ضعف واضح في القدرة علي التذكر عند الاصحاء ممن تجاوزوا 75سنة من العمر ممن لديهم قابلية وراثية للاصابة بداء الزهايمر ( من امراض الخرف )، اذا ما عانوا من انخفاض مستويات فيتامين ب12 في دمائهم.

        أما الفيتامينات الاخري المهمة للدماغ والذاكرة، فتشمل فيتامينات " ب1" ( الثيامين ) و " ب3 " ( حمض النياسين) و "الحمض البانتوثيني "، وهي كلها من أفراد طائفة فيتامينات ب المركبة ( B-complex ). وتعد مصادر الغذاء الحيوانية ( اللحوم والبيض والأسماك والكبد ) من بين أهم مصادر فيتامينات ب المركبة ، لكونها قادرة على تزويد الجسم بكل أفراد هذه المجموعة الفيتامينية. أما الحبوب ومنتجاتها فلا تزود الجسم إلا ببعض أفراد فيتامينات ب المركبة فقط .

مضادات ا لتاكسد

         مثلما يستخدم محرك السيارة الوقود لينتج الطاقة التي يحتاجها ، ويطلق الي الهواء بعض الغازات الغير مرغوب فيها ، كذلك هو الحال مع الخلايا الحية . والشيء الذي يلعب دور الغازات الغير مرغوب فيها في حالة الخلايا ، هو ما يطلق عليه الخبراء اسم " الجذور الحرة (free radicals) " . ويتحكم الجسم في مستويات هذه الجذور بواسطة بعض الآليات الخاصة، لكي لا تؤذي الجسم. وعندما تفشل هذه الآليات في مهمتها لسبب أو لأخر، ترتفع مستويات الجذور الحرة ، وهو الامر الذي قد يتسبب - حسب ما تقول به مجموعة كبيرة من الدراسات- في نشوء طائفة من الأمراض، من بينها بعض أمراض واضطرابات الجهاز العصبي التي تترافق مع حدوث ضعف في الذاكرة.

       وقد أتضح من الدراسات، أن لبعض المواد القدرة علي اقتناص الجذور الحرة وتقليل مستوياتها في الجسم، و لهذا يطلق علي هذه المواد اسم مضادا ت التأكسد أو قانصات الجذور . ويري فريق من العلماء أن تناول هذه المواد يفيد الذاكرة. وتشمل مضادات التاكسد فيتاميني " ج "( C ) و "إي "( E )، هذا بالإضافة إلي طائفة الكاروتينات ( Carotene )التي ينتج عنها فيتامين " أ " في الجسم. ويمكن تزويد الجسم بفيتامين " ج " و الكاروتينات بتناول الخضروات والفواكه، أما فيتامين "إي " فيمكن الحصول عليه بتناول الزيوت النباتية و الكبد.
العناصر المعدنية

       ولبعض العناصر المعدنية المغذية هي الاخري خواص مضادة للتأكسد ، وهو الأمر الذي يكشف عن أهميتها للدماغ والذاكرة. واهم هذه العناصر هي الزنك والكروم و السيلينيوم (Selenium) . و تعتبر اللحوم و الكائنات البحرية المختلفة، والحبوب الكاملة أهم مصادر السيلينيوم في الطعام. أما أفضل مصادر الزنك والكروم فهي اللحم والبيض والكبد والكائنات البحرية، الجبن، الحبوب الكاملة والخميرة.

        ورغم أن عنصر الحديد ليس من مضادات التاكسد ، إلا أن هذا لا ينفي أهميته لعملية التذكر. ويعرف الأطباء منذ زمن بعيد أن الشكوى من ضعف الذاكرة قد يكون أحد اعراض المعاناة من حالة فقر الدم (Anemia). وتعتبر اللحوم الحمراء، الكبد، الحبوب الكاملة، و الخضراوات أهم مصادر الحديد. ويفيد تناول الخضر و الفواكه مع اللحوم في نفس الوجبة ، في زيادة امتصاص الحديد في الأمعاء.

الأحماض الامينية

           غالبا ما يتحدث الخبراء عن حاجتنا اليومية الي تناول اللحوم و الاسماك ، أو ما يطلق عليها عادة اسم " مصادر الغذاء البروتينية " . وفي الواقع فان اجسامنا لا تحتاج الي المواد البروتينية بذاتها ، بل تحتاج الى الاحماض الامينية (amino acids)  التي تتركب منها البروتينات. ومن المعروف أنه لا يوجد أي نشاط يتم فى الجسم الحى لا تستخدم فيه هذه الأحماض بشكل أو بأخر. و للحمض الاميني المسمي تربتوفان (tryptophan ) اهمية لموضوعنا، لانه يستخدم في صنع ناقل عصبي يسمى السيروتونين (Serotonin) له اهمية لنشاطات الدماغ الخاصة بالسلوك والتعلم . ويمكن تزويد الجسم بما يحتاجه من التريبتوفان عن طريق تناول الحليب واللبن الزبادي والحبوب الكاملة والأسماك والدجاج واللوز والموز والسبانخ.

الدهون

        رغم السمعة السيئة التي تلصق في الوقت الحالي بالدهون ، الا ان الدهون ليست كلها ضارة. و تعتبر دهون الليستين ( Lecithin ) المنتشرة في مصادر الغذاء النباتية والحيوانية مهمة للدماغ و للذاكرة، ويرجع البعض أهميتها لاحتوائها علي على أحماض دهنية عديدة اللا تشبع، وعلي مادة الكولين التي أوليناها بعض الاهتمام في سطور سابقة. وقد أتضح من بعض الدراسات، أن لتناول الليستين تأثيرا محسنا للذاكرة. وتحتوي حبوب فول الصويا واللحوم وصفار البيض على كميات جيدة من الليستين. 

        وبالطبع يجب ان لا ننسي هنا فائدة الدهون التي تحتويها الاسماك والكائنات البحرية الاخري ، وذلك لما اثبتته مختلف الابحاث من اهيمتها للحفاظ علي ذاكرة قوية. ولمن لا يحب تناول الاسماك والكائنات البحرية يمكن تناول هذه الدهون على هيئة اقراص تباع في الصيدليات. وافضل انواع هذه الاقراص هي تلك التي تحتوي على دهون " أوميغا - 3 " لوحدها ، ولا يستحسن تناول اقراص زيت كبد الحوت كبديل عنها.

المركبات الكيميائية النباتية

       تحتوي النباتات بالاضافة الي الفيتامينات والسكريات والدهون ، على مركبات اخري ثبت في السنوات الأخيرة، أهميتها لصحة الإنسان. ويطلق الخبراء على هذه الطائفة من المركبات اسم المركبات الكيميائية النباتية ( Phytochemicals) . ويسود الوسط العلمي اعتقاد قوي، بان الأهمية الكبرى لهذه المركبات ترجع في معظمها إلى خواصها المضادة للأكسدة، وهو الأمر الذي يقي من أمراض واضطرابات الدماغ والذاكرة. و ينصح خبراء التغذية اليوم بزيادة عدد الخضر والفواكه ذات الألوان المختلفة في كل وجبة طعام، تماشياً مع الاعتقاد العلمي السائد الآن، وهو انه كلما زاد عد د الألوان الطبيعية في الطعام، كلما ارتفع عدد المركبات الكيميائية النباتية به.

المنبهات

      لايمكن ان يمر الحديث عن الغذاء ، بدون الالتفات الى المنبهات. و يقف الكافيين على راس قائمة المنبهات الأكثر استخداما في العالم، ويتم تناوله غالبا على هيئة شاي أو قهوة. كما يتحصل العديد من الأطفال على جرعات إضافية منه عن طريق تناول الحلويات الجاهزة المحتوية على الشيكولاته والمشروبات المحتوية على الكوكا. و تفيد الدراسات بان للكافيين القدرة على رفع مستوى بعض القدرات الدماغية من بينها التذكر، كما يحسن الانتباه . غير أن الإفراط في تناول الكافيين أو مصادره يمكن أن يؤدي إلى التوتر العصبي، وسرعة ضربات القلب وضيق التنفس.

وتمتص الامعاء الكافيين الموجود في القهوة بشكل اسرع من شبيهه الموجود في الشاي. وهذا هو السبب في سرعة الشعور بالانتعاش بعد شرب القهوة مقارنة بالشاي . وقد زاد الاهتمام في الفترة الأخيرة بالشاي الأخضر لاحتوائه على الكافيين مواد أخري ذات فائدة للدماغ والذاكرة وللوقاية من بعض الأمراض. ومن بين هذه المواد مادة ابيجالو كاتيكين ( Epigallocatechin )، التي اتضح أن لها تأثيرا مقاوماً للتأكسد يفوق باضعاف عديدة تأثير فيتامين "ج" كما يفوق مفعول فيتامين " أي " بعدة مرات.

 ___________________________________________________ 
 Copyright© 2014 by Ahmed Abdulsalam Ben Taher 
 حقوق النشر محفوظة © 2014 للمؤلف أحمد عبد السلام بن طاهر